حكاوي القهاوى

(حكاوي القهاوي ) في الصيف لاتقف عند حد ، ورواتها كُثُر ، والمقاهي لاترتبط بجغرافيا محددة ، لكن لها تاريخ ، وروادها لاينتمون إلى جنسية محددة ولا إلى لون ، ومع هذا فهم طبقات ، فالذين يترددون على المقاهي الشعبية -قطعاً- تختلف ثقافتهم عن أولئك الذين يترددون على مقاهي الـ (خمسة نجوم) حيث الموقع والخدمة ووسامة طاقم الضيافة، وسعر فنجان القهوة في (الحسين) في مصر يقلُ كثيرًا عن سعره في كازينو النيل، وبالتالي فإن سعر فنجان القهوة في المقاهي الأوروبية المطلَة على نهر (الدانوب) يساوي عشرة أمثاله في المقاهي الواقعة على نهر النيل، وحكاوي القهاوي خارج الوطن العربي لها مذاقها الخاص، فهناك يتبارى (الرواد) عن طريق إظهار إمكاناتهم، فالمثقف يهذي شعرا ونثرا، ورجل الأعمال يدخل يده في جيبه بقصد وبغير قصد ليبين بوك (الترافيل شيك)، وهناك من يظهر براعته في (قراءة الكف) !. والشاطر يكسب. وما دمت أوردت قراءة الكف، اسمحوا لي أن أقص عليكم حكاية ذلك الرجل الأصلع (طويل القامة)، الذي ذكرني بقول الشاعر « / يجذب من نقرته طرة / إلى مدى يقصر عن ميله / فوجهه يأخذ من رأسه / أخذ نهار الصيف عن ليله»، ذلك الرجل كان يتعقب الحسناوات، يوهمهن بقدرته على قراءة الكف، فتصافح يده كل الكفوف الناعمة، يقول لكل واحدة «أنتِ في ضائقة مالية، وقد هجرت فتى أحلامك الأول، وأنتِ على مشارف ترقية جديدة، وأنَ لديك صديقة تشتعل منك غيرة، وأنت على وشك سفر» وهكذا من المواقف ذات العامل المشترك -إن صح التعبير- التي تصادف كل إنسان، ولا تحتاج إلى قراءة كف ولا حتى (قدم )!، لكنها هي إمكانياته وسط الغزو المهول من ذوي المال والأعمال، وللحق فإنه كان خفيف ظل، فحينما رآني -وكنت مجاورًا له في المقهى- سألني عمَا إذا كنت أرغب في أن يقرأ كفي، فرددت عليه بالرفض، وفيما بعد أسرَ لي بأنه لايعرف شيئًا عن قراءة الكف، وأنه دخيل على أهل المهنة، فسألته عمَا إذا كان قد صادف يوماً موقفاً محرجاً من خلال هذا الإدعاء ، فأجابني بنعم ، قال: بأنه تقدم لقراءة كف رجل فرنسي ترافقه عائلته، وكان من ضمن ماقاله للرجل «أنت تخشى من ركوب الطائرات وتفضل السفر عن طريق البر ، فأجابه الرجل ، «كيف أخشى من ركوب الطائرات وأنا أعمل طياراً في الأصل؟!» ومن (حكاوي القهاوي) أورد لكم قصة ذلك الخليجي الذي التقيته في أحد فنادق العاصمة النمساوية، فقد حكى لي بأنه مولع بارتياد صالات السينما، وقد قرر مرة أن يدخل صالة سينما (أدميرال) وهي من أشهر وأعرق دور السينما في النمسا، وعند وصوله طلب شراء تذكرة دخول واحدة، فقال له (الكاشير) أين المرافق؟ فرد عليه بأنه لا يوجد معه مرافق، فقال الكاشير لا بد أن تحضر -أعزكم الله- كلباً أو كلبةً؛ لأن هذه الليلة مخصصة (لسينما الكلاب) !. وحكاوي القهاوي في باريس لها قصة أخرى، هناك وفي مقهى (فوكاتس) الشهير الذي يعد أحد معالم الشانزليزيه، يستعرض كبار القوم قاماتهم التي يعيب بعضها النتوءات، ويظهر البعض (وجه النعمة) من خلال (السلاسل الذهبية) التي تزين معاصمهم، وأشهر ماركات الساعات، وآخر صرعات الموضة للفت انتباه (النصف الآخر)، وأصبح التجمع على طاولة واحدة، تجمع شهرزاد واحدة وأكثر من شهريار واحد أمراً طبيعياً ، فتستمع فيه هذه المرة شهرزاد لكل حكاوي شهريار ، فتتطلع ( شهرزاد ) على أدق الأسرار العائلية لأولئك ، بما في ذلك حجم الأرصدة ، لدرجة أن (الكرم الحاتمي) انهال مرة على
(كاتبة عربية) فتسابق القوم على الفوز بطباعة كتبها على نفقتهم الخاصة لدرجة وصلت إلى العراك لولا تدخل ( أمن المقهى)، وفي ركن آخر من نفس المقهى يظهر (أبو الشوارب) وهو يطرح عرضاً سخياً أمام مواطنة عربية مقيمة، لتعمل مترجمة له خلال وجوده في (باريس)، فكان العرض (1000) يورو في اليوم وليس في الشهر، هذا ماظهر ولا تسألوا عما بطن.